فصل: أمر النيل في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وتوفي سيف الدين كندغدي بن عبد الله المنصوري بحلب أيضًا‏.‏

وهو رأس الميسرة ومقدم العساكر المجردة إلى سيس‏.‏

وكان من كبار الأمراء بالديار المصرية‏.‏

 أمر النيل في هذه السنة

‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

سلطنة الملك الكامل شعبان السلطان الملك الكامل سيف الدين شعبان ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي النجمي‏.‏

والكامل هذا هو السابع عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والخامس من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏

جلس على تخت الملك بعد موت أخيه وشقيقه الملك الصالح إسماعيل في يوم الخميس الرابع من شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة ولقب بالملك الكامل‏.‏

وفيه يقول الأديب البارع جمال الدين بن نباتة‏.‏

رحمه الله تعالى‏:‏ جبين سلطاننا المرجى مبارك الطالع البديع يا بهجة الدهر إذ تبدى هلال شعبان في ربيع وكان سبب سلطنة الملك الكامل هذا أنه لما اشتد مرض أخيه الملك الصالح إسماعيل دخل عليه زوج أمه ومدبر مملكته الأمير أرغون العلائي في عدة من الأمراء ليعهد الملك الصالح إسماعيل بالملك لأحد من إخوته - وكان أرغون العلائي المذكور غرضه عند شعبان كونه أيضًا ربيبه ابن زوجته - فعارضه في شعبان الأمير آل ملك نائب السلطنة حسب ما ذكرنا طرفًا من ذلك في مرض الملك الصالح المذكور‏.‏

ثم وقع ما ذكرناه إلى أن اتفق المماليك والأمراء على توليته وحضروا إلى باب القلة واستدعوا شعبان المذكور وألبسوه أبهة السلطنة وأركبوه بشعار الملك ومشت الأمراء بخدمته والجاوشية تصيح بين يديه على العامة حتى قرب من الإيوان لعب الفرس تحته وجفل من صياح الناس فنزل عنه ومشى خطوات بسرعة إلى أن طلع إلى الإيوان فتفاءل الناس بنزوله عن فرسه أنه لا يقيم في السلطنة إلا يسيرًا‏.‏

ولما طلع إلى الإيوان وجلس على الكرسي وباسوا الأمراء له الأرض وأحضروا المصحف ليحلفوا له فحلف هو أولًا أنه لا يؤذيهم ثم حلفوا له بعد ذلك على العادة‏.‏

ودقت البشائر بسلطنته بمصر والقاهرة وخطب له من الغد على منابر مصر والقاهرة وكتب بسلطنته إلى الأقطار‏.‏

ثم في يوم الإثنين ثامن شهر ربيع الآخر المذكور جلس الملك الكامل بدار العدل وجدد له العهد من الخليفة بحضرة القضاة والأمراء‏.‏

وخلع على الخليفة وعلى القضاة والأمراء‏.‏

وفيه كتب بطلب الأمير آق سنقر الناصري من طرابلس فسأل الأمير قماري الأستادار أن يستقر عوضه في نيابة طرابلس وتشفع قماري المذكور بأرغون العلائي وملكتمر الحجازي فأجيب إلى ذلك ثم تغير ذلك وخلع عليه في يوم الخميس حادي عشره بنيابة طرابلس فخرج من فوره على البريد‏.‏

وفيه خلع على الأمير أرقطاي وآستقر في نيابة حلب عوضا عن يلبغا اليحياوي وخرج أيضًا على البريد وكتب السلطان يطلب اليحياوي ثم طلب الأمير آل ملك نائب السلطنة الإعفاء من النيابة وقبل الأرض وسأل في نيابة الشام عوضًا عن طقزدمر الحموي وأن ينتقل طقزدمر إلى مصر فأجيب إلى ذلك وكتب السلطان بعزل طقزدمر عن نيابة الشام وإحضاره إلى الديار المصرية‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشره خلع السلطان الملك الكامل على الأمير الحاج آل ملك نائب السلطنة بآستقراره في نيابة الشام عوضًا عن طقزدمر وأخرج من يومه على البريد فلم يدخل مدينة غزة حتى لحقه البريد بتقليده نيابة صفد وأن يكون ولده وابن أخيه الفارس بحلب‏.‏

وسبب ذلك أن أرغون العلائي لما قام في أمر الملك الكامل شعبان هذا وفي سلطنته قال له الحاج آل ملك‏:‏ ‏"‏ بشرط ألا يلعب بالحمام ‏"‏ فلما بلغ ذلك شعبان نقم عليه فلما ولي دمشق آستكثرها عليه وحوله إلى نيابة صفد‏.‏

ورسم للأمير يلبغا اليحياوي نائب حلب كان بآستقراره في نيابة الشام‏.‏

ثم أخذ السلطان الملك الكامل في تدبير مملكته والنظر في أمور الدولة فأنعم بإقطاع أرقطاي على الأمير أرغون شاه وآستقر أستادارًا عوضًا عن قماري المستقر في نيابة طرابلس‏.‏

وأخرج السلطان الأمير أحمد شاد الشرابخاناه هو وإخوته إلى صفد من أجل أنهم كانوا ممن قام مع الأمير آل ملك هم وقماري الأستادار في منع سلطنة الملك الكامل هذا‏.‏

ثم خلع السلطان على علم الدين عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن زنبور باستقراره ناظر الخواص عوضًا عن الموفق عبد الله بن إبراهيم وعني الأمير أرغون العلائي بالموفق حتى نزل إلى داره بغير مصادرة‏.‏

ثم قدم الأمير آق سنقر الناصري المعزول عن نيابة طرابلس فخلع السلطان عليه وسأله السلطان بنيابة السلطنة بالديار المصرية فامتنع أشد امتناع وحلف أيمانًا مغلظة أنه لا يليها ثم بدا للسلطان أن يخطب بنت بكتمر الساقي فآمتنعت أمها من إجابته وآحتجت عليه بأن ابنتها تحته ولا يجمع بين أختين وأنه بتقدير أن يفارق أختها فإنه أيضًا قد شغف باتفاق العوادة جارية أخيه الملك الصالح شغفًا زائدًا ثم قالت‏:‏ ‏"‏ ومع ذلك فقد ضعف حال المخطوبة من شدة الحزن فإنه أول من أعرس عليها آنوك ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان لها ذلك المهم العظيم ومات آنوك عنها وهي بكر فتزوجها من بعده أخوه الملك المنصور أبو بكر فقتل فتزوجها بعد الملك المنصور أخوه السلطان الملك الصالح إسماعيل ومات عنها أيضًا فحصل لها حزن شديد من كونه تغير عليها عدة أزواج في هذه المدة اليسيرة ‏"‏ فلم يلتفت الملك الكامل إلى كلامها وطلق أختها وأخرج جميع قماشها من عنده في ليلته ثم عقد عليها ودخل بها‏.‏

ثم أنعم السلطان على ابن طشتمر حمص أخضر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وعلى ابن أصلم بإمرة طبلخاناه‏.‏

ثم في مستهل جمادى الأولى خلع السلطان الملك الكامل على جميع الأمراء المقدمين والطبلخانات وأنعم على ستين مملوكًا بستين قباء بطرز زركش وستين حياصة ذهب وفرق الخيول على الأمراء برسم نزول الميدان‏.‏

ثم رسم السلطان أن يتوفر إقطاع النيابة للخاص‏.‏

وخلع على الأمير بيغرا وآستقر حاجبًا كبيرًا‏.‏

ثم نزل السلطان إلى الميدان على العادة فكان لنزوله يوم مشهود‏.‏

وخلع على الشريف عجلان بن رميثة ابن أبي نمي الحسني باستقراره أمير مكة‏.‏

ثم عاد السلطان إلى القلعة‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى قدم الأمير طقزدمر من الشام إلى القاهرة مريضًا في محفة بعد أن خرج الأمير أرغون العلائي وصحبته الأمراء إلى لقائه فوجدوه غير واع ودخل عليه الأمراء وقد أشفى على الموت‏.‏

ولما دخل طقزدمر إلى القاهرة على تلك الحالة أخذ أولاده في تجهيز تقدمة جليلة للسلطان تشتمل على خيول وتحف وجواهر فقبلها السلطان منهم ووعدهم بكل خير‏.‏

وفيه أنعم السلطان على الأمير أرغون الصالحي بتقدمة ألف ورسم أن يقال له‏:‏ أرغون الكاملي ووهب له في أسبوع ثلاثمائة ألف درهم وعشرة آلاف إردب من الأهراء ورسم له بدار أحمد شاد الشربخاناه وأن يعمر له بجواره من مال السلطان قصر على بركة الفيل ويطل على الشارع فعمل له ذلك‏.‏

قلت‏:‏ والبيت المذكور هو الذي كان يسكنه الملك الظاهر جقمق وتسلطن منه ثم سكنه الملك الأشرف إينال وتسلطن منه وهو تجاه الكبش‏.‏

انتهى‏.‏

وفي يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة ركب السلطان الملك الكامل لسرحة سرياقوس ومعه عساكره على العادة وأخذ حريمه صحبته فنصب لهن أحسن الخيم في البساتين‏.‏

ثم في يوم الجمعة قدم أولاد طقزدمر على السلطان بسرياقوس بخبر وفاة أبيهم طقزدمر فلم يمكن السلطان الأمراء من العود إلى القاهرة للصلاة عليه ورسم بإخراجه فأخرج ودفن بخانقاته بالقرافة وأخذت خيله وجماله وهجنه إلى الإسطبل السلطاني‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير أرسلان بصل واستقر حاجبًا ثانيًا مع بيغرا ورسم له أن يحكم بين الناس ولم تكن العادة جرت بذلك أن يحكم الحجاب بين الناس غير حاجب الحجاب‏.‏

قلت‏:‏ كان الحجاب يوم ذاك كهيئة رؤوس النوب الصغار الآن‏.‏

انتهى‏.‏

وخلع على الأمير ملكتمر السرجواني باستقراره في نيابة الكرك وأنعم بتقدمته على الأمير طشتمر طلليه وأنعم بطبلخاناه طشتمر طلليه على الأمير قبلاي‏.‏

ثم قدم على السلطان الخبر بموت أخيه الملك الأشرف كجك ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون عن آثنتي عشرة سنة‏.‏

واتهم السلطان أنه بعث من سرياقوس من قتله في مضجعه على يد أربعة خدام طواشية فعظم ذلك على الناس قاطبة‏.‏

ثم عاد السلطان من سرياقوس إلى القلعة بعد ما تهتكت المماليك السلطانية من شرب الخمور ثم أخذ السلطان الملك الكامل في تجديد المظالم والمصادرات‏.‏

ثم قدم البريد على السلطان بأن الشيخ حسنًا صاحب بغداد واقع سلطان شاه وأولاد تمرداش وآنتصر الشيخ حسن وحصر سلطان شاه بماردين وأخذ ضياعها‏.‏

ثم إن السلطان الملك الكامل بدا له أن ينشىء مدرسته موضع خان الزكاة ونزل الأمير أرغون العلائي والوزير لنظره‏.‏

وكان أبوه الملك الناصر محمد قد وقفه فلم يوافق القضاة على حله‏.‏

وفي مستهل شعبان عمل السلطان مهمة على بنت الأمير طقزدمر الحموي سبعة أيام‏.‏

وفي مستهل شوال رسم السلطان للأمير أرغون الكاملي بزيارة القدس وأنعم عليه بمائة ألف عرهم‏.‏

وكتب إلى نواب الشام بالركوب لخدمته وحمل التقادم وتجهيز الإقامات له في المنازل إلى حين عوده‏.‏

ورسم له أن ينادي بمدينة بلبيس وأعمالها أنه من قال عنه‏:‏ أرغون الصغير شنق وألا يقال له إلا أرغون الكاملي فشهر النداء بذلك في الأعمال‏.‏

وفي هذه الأيام كثر لعب الناس بالحمام وكثر جري السعاة وتزايد شلاق الزعر وتسلط عبيد الطواشية على الناس وصاروا كل يوم يقفون للضراب فتسفك بينهم دماء كثيرة وتنهب الحوانيت بالصليبة خارج القاهرة‏.‏

وإذا ركب إليهم الوالي لا يعبؤون به وإن قبض على أحد منهم أخذ من يده سريعًا فاشتد قلق الناس من ذلك‏.‏

ثم آخترع السلطان شيئًا لم يسبق إليه وهو أنه أعرس السلطان بعض الطواشية ببعض سراريه بعد عقده عليها وعمل له السلطان مهمًا حضره جميع جواري بيت السلطان وجليت العروس على الطواشي ونثر السلطان عليها وقت الجلاء الذهب بيده فكانت هذه الحادثة من أشنع ما يكون وعظم ذلك على سائر أعيان الدولة‏.‏

وفي ذي الحجة كثرت الإشاعة باتفاق الأمير آل ملك نائب صفد مع الأمير بلبغا اليحياوي نائب الشام على المخامرة‏.‏

فجهز آل ملك محضرًا ثابتًا على قاضي صفد بالبراءة مما رمي به فأنكر السلطان عليه هذا‏.‏

واتفق قدوم بعض مماليك آل ملك هاربًا منه كونه شرب الخمر وأشاع هذا الخبر فرسم السلطان بإخراج منجك اليوسفي السلاح دار على البريد لكشف الخبر فلما توجه منجك إلى الشام حلف له نائب الشام أنه بريء مما قيل عنه وأنعم على منجك بألفي دينار سوى الخيل والقماش‏.‏

ثم نودي بالقاهرة بألا يعارض أحد من لعاب الحمام وأرباب الملاعيب والسعاة فتزايد الفساد وشنع الأمر كل ذلك لمحبة السلطان في هذه الأمور‏.‏

ثم ندب السلطان الأمير طقتمر الصالحي للتوجه إلى الشام على البريد ليوقع الحوطة على جميع أرباب المعاملات وأصحاب الرزق والرواتب بالبلاد الشامية من الفرات إلى غزة وألا يصرف لأحد منهم شيئًا وأن يستخرج منهم ومن الأوقاف وأرباب الجوامك ألف ألف درهم برسم سفر السلطان إلى الحجاز ويشتري بذلك الجمال ونحوها‏.‏

فكثر الدعاء على السلطان من أجل ذلك وتغيرت الخواطر‏.‏

وفي هذه الأيام كتب السلطان بإحضار الأمير آل ملك نائب صفد إلى القاهرة ليستقر على إقطاع الأمير جنكلي بن البابا بعد موته وتوجه لإحضاره الأمير منجك السلاح دار‏.‏

ثم في يوم السبت تاسع عشرين ذي الحجة أمسك أينبك أخو قماري ثم عفي عنه من يومه‏.‏

ثم كتب باستقرار الأمير أراق الفتاح نائب غزة في نيابة صفد بعد عزل آل ملك‏.‏

وأما الأمير منجك فإنه وصل إلى صفد في أول المحرم من سنة سبع وأربعين وسبعمائة وآستدعى آل ملك فخرج معه إلى غزة فقبض عليه بها في اليوم المذكور وقيل بل في سادس عشرين ذي الحجة من سنة ست وأربعين‏.‏

انتهى‏.‏

ثم في أول المحرم المذكور قدم إلى جهة القاهرة الأمير ملكتمر السرجواني من نيابة الكرك فمات بمسجد التبن خارج القاهرة ودفن بتربته‏.‏

ثم قدم إلى القاهرة الأمير أحمد بن آل ملك فقبض عليه وسجن من ساعته‏.‏

وخلع السلطان على الأمير أسندمر العمري باستقراره في نيابة طرابلس عوضًا عن الأمير قماري‏.‏

وفي يوم الإثنين سادس المحرم من سنة سبع وأربعين وسبعمائة قدم الأمير آل ملك والأمير قماري نائب طرابلس مقيدين إلى قليوب وركبا النيل إلى الإسكندرية فاعتقلا بها‏.‏

وكان الأمير طقتمر الصلاحي قبض على قماري لما توجه للحوطة على أملاك الشام وقيده وبعثه على البريد‏.‏

ثم ندب السلطان الأمير مغلطاي الأستادار لإيقاع الحوطة على موجود آل ملك وندب الطواشي مقبلًا التقوي لإيقاع الحوطة على موجود قماري نائب طرابلس وألزم مباشريهما بحمل جميع أموالهما فوجد لآل ملك قريب ثلاثين ألف إردب غلة وألزم ولده بمائة ألف درهم وأخذ لزوجته خبية فيها أشياء جليلة وأخذ أيضًا لزوجة قماري صندوقًا فيه مال جليل‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير أرسلان بصل الحاجب الثاني في نيابة حماة عوضًا عن أرقطاي وكتب بقدوم أرقطاي فقدم أرقطاي إلى القاهرة فأنعم عليه السلطان بإقطاع جنكلي بن البابا بعد وفاته وآستقر رأس الميمنة مكان جنكلي‏.‏

ثم خلع السلطان على زوح أمه الأمير أرغون العلائي واستقر في نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن الأمير جنكلي بن البابا فنزل إليه أرغون العلائي وأصلح أموره وأنشأ بجوار باب البيمارستان المذكور سبيل ماء ومكتب سبيل لقراءة الأيتام ووقف عليه وقفًا بناحية من الضواحي‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير نجم الدين محمود بن شروين وزير بغداد وأعيد إلى الوزارة بالديار المصرية وكان لها مدة شاغرة‏.‏

وخلع على علم الدين عبد الله ابن زنبور واستقر ناظر الدولة عوضًا عن ابن مراجل‏.‏

وفي هذه الأيام آنتهت عمارة قصر الأمير أرغون الكاملي وإصطبله بالجسر الأعظم تجاه الكبش بعد أن صرف عليه مالًا عظيمًا وأخذ فيه من بركة الفيل نحو العشرين ذراعًا فلما عزم أرغون على النزول إليه مرض فقلق السلطان لمرضه وبعث إليه بفرس وثلاثين ألف درهم تصدق بها عنه‏.‏

وأفرج عن أهل السجون وركب السلطان لعيادته بالميدان‏.‏

ثم أهتم السلطان بسفره إلى الحجاز وأخذ في تجهيز أحواله‏.‏

وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر ولد للسلطان ولد ذكر من بنت الأمير بكتمر الساقي‏.‏

ثم في يوم السبت ثاني عشرين صفر أفرج السلطان عن الأمير أحمد بن آل ملك وعن أخيه قماري وأمرهما بلزوم بيتهما‏.‏

وفي أول شهر ربيع الأول توجه السلطان إلى سرياقوس وأحضر الأوباش فلعبوا قدامه باللبخة وهي عصي كبار حدث اللعب بها في هذه الأيام ولما لعبوا بها بين يديه قتل رجل رفيقه فخلع السلطان على بعضهم وأنعم على كبيرهم بخبز في الحلقة‏.‏

واستمر السلطان يلعب بالكرة في كل يوم وأعرض عن تدبير الأمور‏.‏

فتمردت المماليك وأخذوا حرم الناس وقطعوا الطريق وفسدت عدة من الجواري‏.‏

وكثرت الفتن حتى بلغ السلطان فلم يعبأ بما قيل له بل قال‏:‏ ‏"‏ خلوا كل أحد يعمل ما يريد ‏"‏‏.‏

فلما فحش الأمر قام الأمير أرغون العلائي فيه مع السلطان حتى عاد إلى القلعة‏.‏

وقد تظاهر الناس بكل قبيح ونصبوا أخصاصًا بالجزيرة الوسطانية وجزيرة بولاق التي سموها حليمة بلغ مصروف كل خص منها من ألفين إلى ثلاثة آلاف درهم وكان هذا المبلغ يوم ذاك بحق ملك هائل‏.‏

وعمل في الأخصاص الرخام والدهان البديع وزرع حوله المقاثىء والرياحين وأقام بالأخصاص المذكورة معظم الناس من الباعة والتجار وغيرهم وكشفوا ستر الحياء وما كفوا في التهتك في حليمة والطمية وتنافسوا في أرضها حتى كان كل قصبة قياس تؤجر بعشرين درهمًا فبلغ أجرة الفدان الواحد ثمانية آلاف درهم فأقاموا على ذلك ستة أشهر حتى زاد الماء وغرقت الجزيرة‏.‏

وقبل مجيء الماء بقليل قام الأمير أرغون العلائي في هدمها قيامًا عظيمًا وحرق الأخصاص على حين غفلة وضرب جماعة وشهرهم فتلف بها مال عظيم جدًا‏.‏

وفي هذه الأيام قل ماء النيل حتى صار ما بين المقياس ومصر يخاض وصار من بولاق إلى منشأة المهراني طريقًا يمشى فيه ومن بولاق إلى جزيرة الفيل وإلى المنية طريقًا واحدًا‏.‏

وبعد الماء على السقايين وصاروا يأخذون الماء من تجاه قرية منبابة وبلغت راوية الماء إلى درهمين بعدما كانت بنصف درهم وربع درهم‏.‏

فشكا الناس ذلك إلى أرغون العلائي فبلغ السلطان غلاء الماء بالمدينة وانكشاف ما تحت بيوت البحر فركب السلطان ومعه الأمراء وكثير من أرباب الهندسة حتى كشف ذلك فوجدوا الوقت فيه قد فات لزيادة النيل وآقتضى الرأي أن ينقل التراب والشقاف من مطابخ السكر بمدينة مصر وترمى من بر الجيزة إلى المقياس حتى يصير جسرًا يعمل عليه العمل حتى يدفع الماء إلى الجهة التي يحسر عنها‏.‏

فنقلت الأتربة في المراكب وألقيت هناك إلى أن بقي جسرًا ظاهرًا وتراجع الماء قليلًا إلى بر مصر فلما قويت الزيادة علا الماء على هذا الجسر وأخذه ومحا أثره‏.‏

وفي هذه الأيام لعب السلطان الكرة مع الأمراء في الميدان من القلعة فاصطدم الأمير يلبغا الصالحي مع آخر سقطا معًا عن فرسيهما إلى الأرض ووقع فرس يلبغا على صدره فانقطع نخاعه ومات لوقته فأنعم السلطان بإقطاعه على قطلوبغا الكركي‏.‏

ثم في هذه الأيام آشتدت المطالبة على أهل النواحي بالجمال والشعير والأعدال والأخراج أو العبي لسبب سفر السلطان إلى الحجاز وكثرت مغارمهم إلى الولاة وشكا أرباب الإقطاعات ضررهم للسلطان فلم يلتفت لهم‏.‏

فقام في ذلك الأمير أرغون شاه الأستادار مع الأمير أرغون العلائي في التحدث مع السلطان في إبطال حركة السمر فلم يصغ لقولهم وكتب آستعجال العربان بالجمال واستحثاث طقتمر الصلاحي فيما هو فيه بصدد السفر‏.‏

ثم أوقع السلطان الحوطة على أموال الطواشي عرفات وأخرج عرفات إلى الشام منفيًا‏.‏

ثم قصد السلطان أخذ أموال الطواشي كافور الهندي فشفعت فيه خوند طغاي زوجة الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان كافور المذكور من خواص خدام الملك الناصر محمد بن قلاوون فأخرج كافور إلى القدس‏.‏

وكافور المذكور هو صاحب التربة بقرافة مصر‏.‏

ثم نفى السلطان أيضًا ياقوتًا الكبير الخادم وكافورًا المحرم وسرورًا الدماميني ثم نفى دينارًا الصواف ومختصًا الخطائي‏.‏

ثم في أول شهر ربيع الآخر مات ولد السلطان من بنت بكتمر الساقي وولد له من اتفاق العوادة حظية أخيه ولد سماه شاهنشاه وسر به سرورًا عظيمًا زائدًا وعمل مهمًا عظيمًا مدة سبعة أيام‏.‏

ثم مات أخوه يوسف ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون واتهم السلطان أيضًا بقتله‏.‏

ثم قدم طقتمر الصلاحي من الشام بالقماش المستعمل برسم الحجاز‏.‏

ثم قدم كتاب يلبغا اليحياوي نائب الشام يتضمن خراب بلاد الشام مما اتفق بها من أخذ الأموال وآنقطاع الجالب إليها وأن الرأي تأخير سمر السلطان إلى الحجاز الشريف في هذه السنة‏.‏

فقام الأمير أرغون العلائي وملكتمر الحجازي في تصويب رأي نائب الشام وذكر للسلطان أيضًا ما حدث ببلاد مصر من نفاق العربان وضرر الزروع وكثرة مغارم البلاد‏.‏

وما زالا به حتى رجع عن سمر الحجاز في هذه السنة وكتب إلى نائب الشام بقبول رأيه في ذلك وكتب للأعمال باسترجاع ما قبضته العرب من كراء الأحمال وغير ذلك فلم يوافق هذا غرض نساء السلطان ووالدته وأخذت والدته في تقوية عزمه على السفر للحجاز حتى مال إليهم وكتب لنائب الشام وحلب وغيرهما أنه لا بد من سفر السلطان إلى الحجاز في هذه السنة وأمرهم بحمل ما يحتاج إليه‏.‏

ووقع الاهتمام وتجدد الطلب على الناس وغلاء الأسعار ووقفت الأحوال وقل الواصل من كل شيء‏.‏

وأخذ الأمراء في أهبة السفر صحبة السلطان إلى الحجاز وقلقوا لذلك وسألوا أرغون العلائي وملكتمر الحجازي في الكلام مع السلطان في إبطال السفر وتعريفه رقة حالهم من حين تجاريدهم إلى الكرك في نوبة الملك الناصر أحمد‏.‏

فكلما السلطان في ذلك فآشتد غضبه وأطلق لسانه فما زالا به حتى سكن غضبه‏.‏

ورسم من الغد لجميع الأمراء بالسفر ومن عجز عن السفر يقيم بالقاهرة‏.‏

فاشتد الأمر على الناس بمصر والشام من كثرة السخر وكثر دعاؤهم على السلطان وتنكرت قلوب الأمراء وكثرت الإشاعة بتنكر السلطان على نائب الشام وأنه يريد مسكه حتى بلغه ذلك فاحترز على نفسه‏.‏

وبلغ الأمير يلبغا اليحياوي قتل يوسف ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وقوة عزم السلطان على سفر الحجاز موافقة لأغراض نسائه فجمع أمراء دمشق وحلفهم على القيام معه وبرز إلى ظاهر دمشق في نصف جمادى الأولى وأقام هناك‏.‏

وحضر إليه الأمير طرنطاي البشمقدار نائب حمص والأمير أراق الفتاح نائب صفد والأمير أسندمر نائب حماة والأمير بيدمر البحري نائب طرابلس فاجتمعوا جميعًا بظاهر دمشق مع عسكر دمشق لخلع الملك الكامل شعبان هذا وظاهروا بالخروج عن طاعته‏.‏

وكتب الأمير يلبغا اليحياوي نائب الشام إلى السلطان‏:‏ إني أحد الأوصياء عليك وإن مما قاله السلطان السعيد الشهيد رحمه الله تعالى يعني عن الملك الناصر لي وللأمراء في وصيته‏:‏ إذا أقمتم أحدًا من أولادي ولم ترضوا بسيرته جروا برجله وأخرجوه وأقيموا غيره‏.‏

وأنت أفسدت المملكة وأفقرت الأمراء والأجناد وقتلت أخاك وقبضت على أكابر أمراء السلطان وآشتغلت عن الملك وآلتهيت بالنساء وشرب الخمر وصرت تبيع أخباز الأجناد بالفضة وذكر له أمورًا فاحشة عملها فقدم كتابه إلى القاهرة في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى‏.‏

فلما قرأه السلطان تغير تغيرًا كبيرًا وأوقف أرغون العلائي عليه بمفرده فقال له أرغون العلائي‏:‏ ‏"‏ والله لقد كنت أحسب هذا‏!‏ وقلت لك فلم تسمع قولي ‏"‏ وأشار عليه بكتمان هذا‏.‏

وكتب السلطان الجواب يتضمن التلطف في القول وأخرج الأمير منجك اليوسفي على البريد إلى الأمير يلبغا اليحياوي في ثاني عشرينه ليرجعه عما عزم عليه ويكشف أحوال الأمراء‏.‏

وكتب السلطان إلى أعمال مصر بإبطال السلطان سفر الحجاز‏.‏

فكثرت القالة بين الناس بخروج نائب الشام عن الطاعة حتى بلغ ذلك الأمراء والمماليك فأشار أرغون العلائي على السلطان بإعلام الأمراء الخبر فطلبوا إلى القلعة وأخذ رأيهم فوقع الاتفاق على خروج العسكر إلى الشام مع الأمير أرقطاي ومعه من الأمراء منكلي بغا الفخري أمير جاندار وآق سنقر الناصري وطيبغا المجدي وأرغون الكاملي وأمير علي بن طغريل الطوغاني وابن طقزدمر وابن طشتمر وأربعون أمير طبلخاناه وأربعون أمير عشرة وأربعون مقدم حلقة‏.‏

وحملت النفقة إليهم لكل مقدم ألف دينار ما عدا ثلاثة مقدمين لكل مقدم ثلاثة آلاف دينار‏.‏

وكتب بإحضار الأجناد من البلاد‏.‏

فقدم كتاب منجك من الغور بموافقة النواب لنائب الشام وأن التجريدة إليه لا تفيد فإنه يقول‏:‏ إن أمراء مصر معه‏.‏

ثم قدم كتاب نائب الشام ثانيًا وفيه خط الأمير مسعود بن خطير وأمير علي بن قراسنقر وقلاوون وحسام الدين البشمقدار يتضمن‏:‏ ‏"‏ إنك لا تصلح للملك وإنما أخذته بالغلبة من غير رضا الأمراء - ثم عمد ما فعله - ونحن ما بقينا نصغي لك وأنت ما تصغي لنا والمصلحة أن تعزل نفسك من الملك ليتولى غيرك ‏"‏‏.‏

فلما سمع السلطان ذلك آستدعى الأمراء وحلفهم على طاعته ثم أمرهم بالسفر فخرجوا من الغد وخرج طلب منكلي بغا وبعده أرغون الكاملي‏.‏

فعندما وصل طلب أرغون إلى تحت القلعة خرجت ريح شديدة ألقت شاليش أرغون الكاملي على الأرض فصاحت العامة‏:‏ ‏"‏ راحت عليكم يا كاملية ‏"‏ وتطيروا بأنهم غير منصورين‏.‏

ثم أخذ الأمراء المجردون في الخروج شيئًا بعد شيء‏.‏

وقدم حلاوة الأوجاقي يخبر بأن منجك ساعة وصوله إلى دمشق قبض عليه الأمير يلبغا نائب الشام وسجنه بقلعة دمشق‏.‏

فبعث السلطان بالطواشي سرور الزينبي لإحضار أخوي السلطان وهما أمير حاج وأمير حسين فاعتذرا بوعكهما وبعثت أمهاتهما إلى العلائي والحجازي تسألانهما في التلطف مع السلطان في أمرهما‏.‏

وبلغت العلائي بعض جواري زوجته أم السلطان بأنها سمعت السلطان وقد سكر وكشف رأسه وهو يقول‏:‏ ‏"‏ يا إلهي أعطيتني الملك وملكتني آل ملك وقماري وبقي من أعدائي أرغون العلائي وملكتمر الحجازي فمكني منهما حتى أبلغ غرضي منهما ‏"‏ فأقلق أرغون العلائي هذا الكلام‏.‏

ثم دخل على السلطان في خلوة فإذا هو متغير الوجه ففكر فبدره السلطان بأن قال له‏:‏ من جاءك من جهة إخوتي أنت والحجازي فعرفه أن النساء دخلن عليهما وطلبن أن يكون السلطان طيب الخاطر على أخويه ويؤمنهما فإنهما خائفان‏.‏

فرد عليه السلطان جوابًا جافيًا ووضع يده في السيف ليضربه به فقام أرغون عنه لينجو بنفسه‏.‏

وعرف الحجازي ما جرى له مع السلطان وشكا من فساد السلطنة‏.‏

فتوحش خاطرهما وآنقطع أرغون العلائي عن الخدمة وتعلل‏.‏

وأخذت المماليك أيضًا في التنكر على السلطان وكاتب بعضهم نائب الشام وآتفقوا بأجمعهم حتى آشتهر أمرهم وتحدث به العامة‏.‏

وألح السلطان في طلب أخويه وبعث قطلوبغا الكركي في جماعة حتى هجموا عليهما ليلًا فقامت النساء ومنعنهم منهما فهم أن يقوم بنفسه حتى يأخذهما فجيء بهما إلى وقت الظهر من يوم السبت تاسع عشرين جمادى الأولى فأدخلهما إلى موضع ووكل بهما‏.‏

وقام العزاء في الدور السلطاني عليهما واجتمعت جواري الملك الناصر محمد بن قلاوون وأولاده فلما سمع المماليك صياحهن هموا بالثورة والركوب للحرب وتعبوا‏.‏

فلما كان يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة خرج طلب أرقطاي مقدم العساكر المجردين إلى الشام حتى وصل إلى باب زويلة ووقف هو مع الأمراء في الموكب تحت القلعة وإذا بالناس قد اضطربوا‏.‏

ونزل الحجازي سائقًا يريد إسطبله وتبعه الأمير أرغون شاه أيضًا إلى جهة إسطبله وسبب ذلك أن السلطان الملك الكامل جلس بالإيوان على العادة وقد بيت مع ثقاته القبض على الحجازي وأرغون شاه إذا دخلا وكانا جالسين ينتظران الإذن على العادة‏.‏

فخرج طغيتمر الدوادار في الإذن لهما فأشار لهما بعينه أن آذهبا‏.‏

وكانا قد بلغهما أن السلطان قد تنكر عليهما فقاما من فورهما ونزلا إلى إسطبلهما ولبسا بمماليكهما وحواشيهما وركبا وتوجها إلى قبة النصر‏.‏

وبعث الحجازي يستدعي آق سنقر من سرياقوس فما تضحى النهار حتى آجتمعت أطلاب الأمراء بقبة النصر فطلب السلطان عند ذلك أرغون العلائي وآستشاره فيما يعمل فأشار عليه بأن يركب بنفسه إليهم فركب السلطان بمماليكه وخاصكيته ومعه زوج أمه الأمير أرغون العلائي المذكور وتمر الموساوي وعدة أخر من الأمراء والقلوب متغيرة‏.‏

ودقت الكوسات حربيًا ودارت النقباء على أجناد الحلقة والمماليك ليركبوا فركب بعضهم وتخاذل بعضهم وسار السلطان في جمع كبير من العامة وهو يسألهم الدعاء فأسمعوه ما لا يليق ودعوا عليه‏.‏

وسار في نحو ألف فارس لا غير حتى قابل ملكتمر الحجازي وأصحابه من الأمراء والمماليك فعند المواجهة آنسل عن السلطان أصحابه وبقي في أربعمائة فارس‏.‏

فبرز له آق سنقر وساق حتى قارب السلطان وتحدث معه وأشار عليه بأن ينخلع من السلطنة فأجابه إلى ذلك وبكى‏.‏

فتركه آق سنقر وعاد إلى الأمراء وعرفهم بأنه أجاب أن يخلع نفسه فلم يرض أرغون شاه وبدر ومعه الأمير قرابغا والأمير صمغار والأمير بزلار والأمير غرلو في أصحابهم حتى وصلوا إلى السلطان وسيروا إلى أرغون العلائي ليأتيهم ليأخذوه إلى عند الأمراء فلم يوافق العلائي على ذلك فهجموا عليه ومزقوا من كان معه من مماليكه وأصحابه‏.‏

ثم ضرب واحد منهم أرغون العلائي بدبوس حتى أرماه عن فرسه إلى الأرض فضربه الأمير بيبغا أروس بسيف قطع خده فانهزم عند ذلك عسكر السلطان وفر الملك الكامل شعبان إلى القلعة وآختفى عند أمه زوجة الأمير أرغون العلائي‏.‏

فسار الأمراء إلى القلعة في جمع هائل وأخرجوا أمير حاجي وأمير حسين من سجنهما وقبلوا يد أمير حاجي وخاطبوه بالسلطنة‏.‏

ثم طلبوا الملك الكامل شعبان من عند أمه فلم يجدوه فحرضوا في طلبه حتى وجدوه مختفيًا بين الأزيار وقد آتسخت ثيابه من وسخ الأزيار فأخرجوه بهيئته إلى الرحبة ثم أدخلوه إلى الدهيشة فقيدوه وسجنوه حيث كان أخواه مسجونين ووكل به قرابغا القاسمي والأمير صمغار‏.‏

ومن غريب الاتفاق أنه كان عمل طعامًا لأخويه أمير حاجي وحسين حتى يكون غداءهما في السجن وعمل سماط السلطان على العادة‏.‏

فوقعت الضجة وقد مد السماط فركب السلطان من غير أكل فلما آنهزم وقبض عليه وأقيم بدله أخوه أمير حاجي مد السماط بعينه له فأكل منه وأدخل بطعامه وطعام أخيه أمير حسين إلى الملك الكامل فأكله في السجن‏.‏

وآستمر الملك الكامل المذكور في السجن إلى يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وسبعمائة قتل وقت الظهر ودفن عند أخيه يوسف ليلة الخميس‏.‏

فكانت مدة سلطنته على مصر سنة واحدة وثمانية وخمسين يومًا وقال الصفدي‏:‏ سنة وسبعة عشر يومًا‏.‏

وكان من أشر الملوك ظلمًا وعسفًا وفسقًا‏.‏

وفي أيامه - مع قصر مدته - خربت بلاد كثيرة لشغفه باللهو وعكوفه على معاقرة الخمور وسماع الأغاني وبيع الإقطاعات بالبذل وكذلك الولايات حتى إن الإقطاع كان يخرج عن صاحبه وهو حي بمال لآخر فإذا وقف من خرج إقطاعه قيل له‏:‏ نعوض عليك قد أخرجناه لفلان الفلاني‏.‏

وكان مع هذا كله سفاكًا للدماء ولو طالت يده لأتلف خلائق كثيرة وكان سيئ التدبير يمكن النساء والطواشية من التصرف في المملكة والتهتك في النزه والصيد ولعب الكرة بالهيئات الجميلة وركوب الخيول المسومة مع عدم الاحتشام من غير حجاب من الأمير آخورية والغلمان ويعجبه ذلك من تهتكهن على الرجال فشغف لذلك جماعة كثيرة من الجند بحرمه بما يفعلن من ركوب الخيول وغيرها‏.‏

وكان حريمه إذا نزلن إلى نزهة بلغت الجرة الخمر إلى ثلاثين درهمًا وهذا كله مع شرهه وشره حواشيه ونسائه إلى ما في أيدي الناس من البساتين والرزق والدواليب ونحوها فأخذت أمه معصرة وزير بغداد ومنظرته على بركة الفيل وأشياء غير ذلك‏.‏

وحدث في أيامه أخذ خراج الرزق وزيادة القانون ونقص الأجاير وأعيدت في أيامه ضمان أرباب الملاعيب وعدة مكوس‏.‏

وكان يحب لعب الحمام فلما تسلطن تغالى في ذلك وقرب من يكون من أرباب هذا الشأن‏.‏

ومع هذا الظلم والطمع لم يوجد له من المال سوى مبلغ ثمانين ألف دينار وخمسمائة ألف درهم إلا أنه كان مهابًا شجاعًا سيوسًا متفقدًا لأحوال مملكته لا يشغله لهوه عن الجلوس في المواكب والحكم بين الناس‏.‏

ولما أمسك وقتل قال فيه الصفدي‏:‏ بيت قلاوون سعاداته في عاجل كانت وفي آجل حل على أملاكه للردى دين قد استوفاه بالكامل